كتب ناصر زيدان في ” الانباء الكويتية”
في العام 2019 طرد المجلس التأديبي قاضيين وأجبر خمسة آخرين على تقديم استقالاتهم، وهؤلاء كانوا في مواقع مهمة، ولدى عائلاتهم انتماءات طائفية وسياسية مؤثرة، ولكن القرار لم يأخذ حينها المنحى الذي أخذه قرار المجلس ذاته بطرد مدعية عام جبل لبنان القاضية غادة عون الخميس الماضي، ولم تصدر مواقف من المرجعيات الطائفية والحزبية المعنية بالقضاة السابقين كما حصل حاليا، والمواقف التي دافعت عن عون أكدت أنها تنتمي الى تيار حزبي، وهو ما يمنعه القانون على القضاة.
تصرفات عون وكلامها الخارج عن المألوف في قصر العدل في بيروت على أثر تبلغها القرار لم تكن لصالحها، وهي عززت صحة قرار المجلس التأديبي أكثر مما أضرت به، لأنها تجاوزت في مواقفها كل الحدود التي تلزم القاضي في التحفظ. وتصريحات الرئيس السابق ميشال عون والنائب جبران باسيل وبعض النواب الآخرين في دفاعهم عن القاضية عون، أكدت ايضا على مدى أهمية الخدمات التي قدمتها عون لفريقهم السياسي، كما أن المحامين الذين قادوا حملة تشويش على قرار المجلس التأديبي، بينوا مدى انتفاعهم من وجود القاضية عون، وبعض هؤلاء حصلوا على عشرات الوكالات من شركات وأفراد على اعتبار أنهم قادرون على التأثير بالقرارات القضائية لقربهم من العهد السابق، ومن القاضية غادة عون بالتحديد، وعدد منهم قام بدور مقدم إخبارات غب الطلب، ليتسنى من خلالها للقاضية عون القيام بملاحقات انتقائية، كان بعضها محقا، لكن غالبيتها حملت أهدافا سياسية وفئوية، ولم تراع عون في هذه الملاحقات الحدود الدنيا للقواعد المعتمدة في قانون أصول المحاكمات، لاسيما منها في ملف شركة مكتف على سبيل المثال لا الحصر.11 دعوى مقدمة ضد القاضية عون أمام التفتيش القضائي، وهو رقم قياسي لم يسبق أن حصل في تاريخ الجمهورية، وهناك 30 طلب كف يد عن دعاوى خصومة، رفضت عون تبلغها، وهو لم يحصل في تاريخ الجمهورية ايضا. وكل ذلك يؤكد أن قرار المجلس التأديبي لم يكن انتقاما سياسيا كما يقول بعض الذين دافعوا عن القاضية عون، ولابد أنه استند الى معطيات دامغة لا تقبل أي شكوك، لأن أعضاء المجلس التأديبي المعروف عن استقلاليتهم، يحسبون الحساب لأي إجراءات لاحقة، ومنها استئناف عون لقرار طردها أمام الهيئة القضائية العليا للمجلس التأديبي، والهيئة لها صلاحية ابطال القرار إذا كان لا يستند الى معطيات كافية.بعض وجهات النظر للمدافعين عن القاضية عون فيها شيء من الموضوعية، وهؤلاء اعتبروا أن القرار قاس، وكان يمكن أن يكون أكثر رأفة ولا يصل الى حد الطرد. ومن هؤلاء نقيب المحامين السابق والنائب الحالي ملحم خلف ومعه النائبة نجاة عون صليبا، لكن موقفهما لا يمكن الاعتداد به برأي متابعين، نظرا للعلاقة الشخصية التي تربطهما بعون، وسبق لخلف عندما كان نقيبا أن عطل نقابة المحامين والعدلية 5 أشهر بالإضراب احتجاجا على التعرض لمحامي القاضية عون، والنائبة صليبا تربطها صلة قرابة معها.اما المؤيدون لقرار فصل القاضية عون، فرأوا في موقف المجلس التأديبي انقاذا لسمعة القضاء، وتصويبا للانحراف، وقالوا إن القرار كان يجب أن يصدر منذ أكثر من سنة، لأن الممارسات التي ظهرت من عون أمام الإعلام شكلت وصمة عار بحق القضاء، وتصرفاتها ـ لاسيما اقدامها شخصيا على ممارسة أعمال الكسر والخلع لأبواب إحدى الشركات وتجاوزها لصلاحية مدعي عام مدينة بيروت ـ كافية بحد ذاتها لفرض هذه العقوبة الكبيرة عليها، وقد يكون في موقفهم بعض المبالغة.غالبية من الرأي العام ترى في القاضية عون ظاهرة غريبة، وهي تبدو أنها تنفذ أجندة خاصة، وتجاهلها لملاحقة العديدين من الذين تسببوا في هدر المال العام، واختلسوا منه، وتركيزها على ملاحقة الذين يعارضون تيارها السياسي يؤكد على هذه الفرضية.