إقتصاد

من مخيّم عين الحلوة إلى الكحالة… تحذيرات السفارات تتحقّق!

By Suzan Salma

August 10, 2023

كتبت إيسامار لطيف في موقع mtv:

في لبنان، يندهش البعض من أمور عادية لا تستدعي الدهشة، وينتفضون فجأة على صغائر أخرى باتت طبيعيّة بالنسبة إلينا بما أنّنا “مزرعة مشرّعة” على مصراعَيْها لكلّ شعب يرغب بالاقتتال بعيداً عن بلده، أو لكلّ حزب يُهرّب الذخائر في وضح النهار و”على عينك يا دولة”، ولكلّ “ميليشيا” تلبس ثوب الوطنيّة على “السوشيل ميديا” والأحياء الشعبيّة لتُنادي بـ”لبنان العزّة والكرامة” على أنغام أغنية عاصي الحلاني “بيكفي إنّك لبناني”! 

للحقيقة، نعم اكتفينا. اكتفينا ذلاً وقهراً وتهجيراً وتفجيراً وفقراً وعجزاً وغُربةً وفساداً وسرقةً ووقاحةً وكذباً، وطبعاً يُمكنكم إضافة ما يطيب لكم على هذه القائمة السوداويّة التي يوفرّها لبنان لسيّاحه في موسم “أهلا بهالطلّة أهلا”، ابتداءً من أحداث مخيم عين الحلوة جنوباً، مروراً بالكحالة، وصولاً إلى آخر لافتة كُتب عليها “رافقتكم السلامة” شمالاً. ولكن، كما قال رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بعد انتشار تحذيرات السفارات الغربيّة والعربيّة، “لا داعي للهلع، لأنّ الوضع الأمني تحت السيطرة”، وفعلاً حسبما يبدو المشهد كلّ شيء تحت السيطرة حرفياً. 

بعد أحداث مخيم عين الحلوة، الذي يُعرف بـ”عاصمة الشتات الفلسطيني في لبنان”، لم يعد يُخفى على أحد من داخل المخيم وخارجه أن هناك سيناريوهات متعدّدة قيد التنفيذ، منها ما يرتبط مباشرة بتوسع النفوذ الإيراني في البلد، وأخرى تُشير إلى أن التسوية الرئاسيّة ستتمّ هذه المرة على حساب الحلقة الأضعف أيّ اللاجئين، فيما السيناريو الثالث وهو الأكثر تداولاً يتحدّث عن احتمال اندلاع حرب أهليّة مماثلة لتلك التي شهدتها البلاد خلال عام 1975 والتي يبدو أنّنا لم نخرج منها حتّى اليوم، إنّما ألبسناها ثوب “المدنية والتعايش” في العلن، بينما النفوس تغلي حقداً بانتظار الثأر. 

في قراءة سريعة لا تتطلّب خبرة كبيرة في السياسة الداخليّة، يتبيّن لنا أن لبنان تحوّل من بلد هادئ (نسبياً مقارنة بجيرانه) على الخريطة العربيّة، إلى ساحة صراعات مفتوحة على مختلف الاحتمالات، فلا عجب بأن تُحذّر سفارات الدول العربية رعاياها من السفر إليه، لأنّها على علم مسبق بالمنحى الدراماتيكي التي ستنعطف إليه الأوضاع الراهنة عاجلاً أم آجلاً، وهي حاضرة أيضاً ولو غيابيّاً في الجلسات السرّية التي تدور خلف الأبواب المغلقة في القصور، والوزارات والبرلمان حتّى.  

البداية كانت من بعض النزاعات والمشادات الكلاميّة “الخفيفة”، التي نسمّيها بلغتنا الشعبيّة “الزكزاكات” في بعض المحافظات وحتّى عند الحدود الجنوبيّة إثر المناورات الإسرائيليّة تارة والحزبيّة تارة أخرى، ومن ثمّ انتقلت إلى صيدا، وتحديداً مخيم عين الحلوة، في محاولة يُقال إنّها “كانت تحثّ السُنّة على التصادم مع الشيعة الممثلين بـ”حزب الله” بطبيعة الحال”، إلّا أنّ هذه الخطة لم تنفع كثيراً حتّى الساعة، وذلك لأنّ المخيّم بحدّ ذاته أضاع بوصلته، ولم يعد معروفاً مَن يُقاتل مَن، وبين أيّ جهة أصلاً تدور المعارك، بعدما كانت بدأت مع الإسلاميّين المتحدّرين من سوريا (وفقاً الأهالي)، وحركة “فتح”. لتعود وتنتقل من المخيّم الذي تصدّر نشرات الأخبار وعناوين الصحف أخيراً، إلى الكحالة، التي شهدت أحداثها بيانات استنكار متناقضة خلال ساعات قليلة فقط، فوق دماء ضحيتَين، فادي وأحمد، بعدما خسرا حياتهما بسبب شاحنة.  

هنا تحديداً تُطرح الأسئلة الشائكة، إذْ أنّ هذا الطريق بشكل خاصّ لطالما شهدت عمليّات تهريب مماثلة لأسلحة وذخائر وكابتاغون وغيره، فلماذا اليوم تحديداً اندلعت هذه الاشتباكات؟ وما سرّ الدهشة التي اعترت البعض جرّاء معرفة الجهة الحزبية المسؤولة عن الشاحنة؟ فماذا سيُهرّب الحزب مثلاً من بيروت إلى بعلبك والحدود السورية؟ البلح أو جوز الهند؟ أليست الدولة بأركانها وأجهزتها الأمنيّة والرقابيّة على علم بكلّ هذا وتلتزم الصمت؟ ألم تُرفع المطالب مراراً بسحب السلاح غير الشرعي وحصره بيد الجيش اللبناني فقط، ولم تُحرّك الحكومة ساكناً؟ فلماذا إذاً دُهش الشعب وصُعق لمرور الشاحنة من طريقها المعتاد أساساً؟ 

إقليميّاً، ثمّة اتفاقات أمميّة تتمّ “تحت الطاولة”، وتسوية أوروبيّة – أميركيّة لم تتضح معالمها بعد، وبطبيعة الحال لن يسلم لبنان منها. فعلى سبيل المثال، ما يحصل في سوريا وعودتها إلى الحضن العربي، لها تكلفة باهظة سيسدّدها الداخل اللبناني، هذا من دون ذكر ما يحصل في إسرائيل وفلسطين والعراق. والسؤال الأبرز هو الآتي: لو سلّمنا جدلاً واقتنعنا بأنّ أحزابنا “العزيزة” ترغب حقاً بانتخاب رئيس للبلاد في ظلّ الشغور الحالي، وبإعادة إعمار بيروت وتحسين الاقتصاد اللبناني وكلّ هذه الشعارات الجميلة التي تُحسب لها، فكيف ستتمكن من ذلك وسط العقوبات الخارجية وفقدان ثقة المجتمعَين العربي والدولي من دون إراقة الدماء؟ وفي حال حصل ذلك، هل يتحمّل لبنان ذو المناعة الضعيفة تبعيات حرب أهلية ثانية وما سينتُج عنها؟  

الأكيد، أن لا أحد يملك الإجابة الوافية على هذه الأسئلة، ولكن كما قالوا لنا، “لا داعي للهلع”، إذْ على الأقل الدولة تتحرّك وتسهر على حماية التعايش والسلام، ولعلّ منع فيلم “باربي” من العرض خير دليل على ذلك… أتتخيّلون ماذا كان سيحصل لنا لو عُرض لا سمح الله؟ 

ما هذه إلّا البداية بعد، والأيّام القليلة المقبلة ستُظهر حقيقة التحذيرات الأخيرة، التي يبدو أنّها بدأت تتحقّق… والله أعلم!