لم تُترجم الوعود التي سمعها علماء عكّار من مفتي الجمهوريّة ورؤساء الحكومات. الوضع ما زال على حاله: لا رواتب شهريّة ولا تأمين صحياً يقيهم شرّ العوز. إزاء هذا الواقع، وجّهوا رسالة إلى «سماحته» طالبين منه تقديم استقالته
خلال أكثر من 3 سنوات لم يترك مشايخ عكار باباً إلّا طرقوه. البداية كانت من دار الفتوى حينما وعدهم مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان خيراً. وعلى مسامع أعضاء المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى، تلا رئيس «لجنة متابعة حقوق علماء عكار» الشيخ محمّد اسكندر بياناً مطوّلاً عرض فيه مشكلة الإجحاف اللاحق بالجهاز الديني التابع لأوقاف عكّار، والذي يضم أكثر من 850 شيخاً يعملون كموظفين رسميين في 350 مسجداً في المنطقة كأئمة ومدرّسين وخطباء وخَدَمة… من دون مقابل.
4 أشهر مضت على هذا الاجتماع من دون أيّ تغيّر يُذكر. فما كان من المشايخ إلّا أن تداعوا إلى اعتصامٍ أمام دار الفتوى في بيروت لحرق عمائمهم. وما إن وصل الخبر إلى «بيت الوسط»، حتى سارع القاضي الشيخ خلدون عريمط إلى الاتصال بمشايخ عكار لإبلاغهم بتحديد موعد مع الرئيس سعد الحريري، شرط إلغاء اعتصامهم. وهذا ما حصل، رغم أن المشايخ كانوا قد طالبوا مراراً وتكراراً بموعدٍ مع الحريري ليردّ مستشاروه بأن «دولته مشغول بتأليف الحكومة». وكما الوعود السابقة، مضت الـ 72 ساعة التي طلبها الحريري لحل الملف بردّ من عريمط بأن «دولته قام بواجباته الماديّة تجاه دار الفتوى».
أُغلقت أبواب «بيت الوسط»، فطرق العلماء باب «السادات تاور». تعهّد فؤاد السنيورة بـ«أنني تابعتُ هذا الملف سابقاً، وما زلتُ أعمل على حلّه». وحده نجيب ميقاتي كان واضحاً، مشيراً إلى أن الحريري يتهرّب ولا يستطيع تقديم المساعدات المالية نظراً إلى أزمته الماديّة. وطالب بموازنة شفافة من دائرة أوقاف عكار ليؤكّد إن كان بإمكانه المساعدة. حينها، رفضت الدائرة تسليم هذه الموازنة، «بسبب الفساد الموجود وعدم دقة أرقامها»، وفق ما يقول الشيخ محمد اسكندر. بعدها، حاول علماء عكّار اللجوء إلى السفارات العربيّة، كالسعودية والإماراتية والمصرية، فرفض سفراؤها تحديد مواعيد للقائهم. وكان السفراء يقرأون رسائل المشايخ المُرسلة عبر «واتس اب» من دون الإجابة عليها. خلال سلوكهم «درب الجلجلة»، كان العلماء يعودون دوماً إلى دريان الذي «حاول إسكاتنا بكرتونة إعاشة»، بحسب اسكندر الذي رفض تسلّمها رغم أن المفتي قال له «إنّ هذه الإعاشة تحتاج إلى الكثير من تقبيل الأيادي لتصل إلى دار الفتوى»! اللقاء الأخير بين دريان والعلماء كان قبل نحو شهر ونصف شهر. أبلغهم المفتي خلاله، بالفم الملآن، أنّه ليس مسؤولاً عن وضعهم المالي باعتبار أن مسؤولية هذا الملف تقع على عاتق مفتي عكار. دريان نفسه الذي رفض سابقاً أن يلجأ إلى السفارات العربية كي «لا أُحسب على طرف»، وعد المشايخ عبر عريمط بأن الفرج سيكون على يد إحدى الدول العربية التي وافقت على تقديم منحة لمدى الحياة للعلماء، سيُعلن عنها خلال شهر رمضان.
انتهى رمضان ولم يأتِ «عيد العلماء»، فخلصوا إلى نتيجة واحدة: «لم يعد بمقدورنا تصديق أحد». ولذلك، قرروا خطوات تصعيديّة كانت أولاها أمس بتوقيعهم رسالة تطالب دريان بالاستقالة لعجزه على مدى ثلاث سنوات عن تحقيق مطالبهم. بحسب المعلومات، ستصل الرسالة الى المفتي الاثنين عبر البريد المضمون. وبالتالي، لن يكون أمامه سوى تسلّمها شخصياً والتوقيع على الإيصال. يأمل العلماء أن يتجاوب دريان مع مطلب الاستقالة باعتبار أنّ معظم علماء الطائفة السنيّة يريدون ذلك، ولو أنّهم لا يُجاهرون به. يعلم مشايخ عكّار أنّ البريد سيُرمى على الأغلب في أدراج عائشة بكار، تماماً كمطالبهم، لكنّهم يؤكدون أن كتابهم هذا لن يكون الأخير، وأنّهم بصدد التحضير لتحرّكات تصعيديّة قريبة.
المصدر:الأخبار