كتب وليد حسين في “المدن”:
قرار إجراء الامتحانات الرسمية لشهادة الثانوي اتُخذ ولا عودة عنه مهما كلف الأمر. وقد بدأت وزارة التربية تتعامل مع إضراب أساتذة التعليم الثانوي كأنه غير موجود. ليس هذا فحسب، بل قررت الوزارة تجاهل مطالب نحو 5 آلاف أستاذ، وتتعامل مع نحو ستين ألف طالب في مرحلة الثانوي كأن الإضراب لم يكن. وحددت امتحانات نصف السنة في النصف الثاني من نسيان الحالي. وبمعزل عن أنه يفترض أن يكون هذا الامتحان قد أنجز في شباط الفائت، وجرى الحديث سابقاً عن عدم اجرائه والاكتفاء بامتحانات آخر السنة لترفيع الطلاب، ستُجرى هذه الامتحانات أيضاً. وهذا رغم أن الأساتذة لن يشاركوا في إجراء هذا الامتحان النصفي. وقد تواصل مدراء مع الأساتذة لوضع أسئلة بالمواد التي درست حتى شهر كانون الأول من دون الحضور إلى المدرسة لامتحان الطلاب، لكنهم يرفضون. أما بما يتعلق بالامتحانات الرسمية، فستجرى أيضاً ولا تراجع عنها.
..حتى امتحان البروفيه قائممصادر مطلعة على اللقاءات الحاصلة في وزارة التربية أكدت لـ”المدن” أن الامتحانات الرسمية لشهادة الثانوي تقررت ولا عودة عنها. أما امتحانات الشهادة المتوسطة فهي قيد البحث، والوزارة تجري استعدادها لها. في حال حصلت الوزارة على تمويل لها ستجرى، مثلها مثل الثانوي. وفي حال لم تؤمن الوزارة التمويل لها يصار إلى إلغائها.تربوياً، لا حاجة لامتحانات الشهادة المتوسطة، وكان يفترض إلغاؤها بقانون. واقتصادياً، من الأفضل التركيز على شهادة الثانوي لأنها أساسية وعدم إهدار الأموال على شهادة البروفيه لنحو خمسين ألف طالب، سيكونون بحاجة لالاف المراقبين والمصححين والموظفين. بل يجب التركيز على شهادة الثانوي وامتحان نحو 45 ألف طالب هم بحاجة لهذه الشهادة، التي لا يمكن الاستعاضة عنها بالإفادات. لكن روابط المعلمين وبعض المسؤولين في الوزارة يريدون امتحانات الشهادة المتوسطة، كونها تشكل مصدر رزق إضافياً لهم. والوزارة عازمة على إجرائها في تأمن التمويل.دمج المدارس الرسميةفي الأثناء يواصل أساتذة التعليم الثانوي إضرابهم، وتواصل الوزارة في تجاهلهم. وقد شارك مئات الأساتذة في الاعتصام أمام وزارة التربية اليوم الإثنين في 3 نيسان. وكان اعتصاماً حاشداً لم يسبق له مثيل، شارك فيه الأساتذة من مختلف المناطق. ورغم ذلك، ستواصل وزارة التربية ضغوطها لتمرير الامتحانات الرسمية. وقد تلقت الدعم الحزبي والطائفي لإجراء الامتحانات، هذا فضلاً عن الضغوط التي يمارسها القطاع الخاص. وهي تدرس حالياً دمج طلاب المدارس الرسمية الموزعين على أكثر من مدرسة في مدرسة واحدة في النطاق الجغرافي الذي يسمح بهذا الدمج. في المدن سيكون الأمر أسهل من القرى والمناطق النائية.
ستجرى الامتحانات من خلال حلول الترقيعية لدمج المدارس. فقد تبين للوزارة أن غالبية الطلاب لا يحضرون إلى الصفوف حتى في المدارس التي ألزم مدراؤها الأساتذة بالتعليم، وذلك بسبب الإضراب. وستسيِّر العام الدراسي حتى ولو في عدد قليل من الثانويات، من خلال الاستعانة بأساتذة الملاك غير المضربين والمتعاقدين. وهذا رغم أن المساعدات التي وعد الأساتذة بها صعبة المنال، بسبب تأخر وزارة المالية في فتح حساب لسلفة الـ1050 مليار ليرة لدفع بدل الإنتاجية بـ125 دولاراً. وكان يفترض أن تبدأ الوزارة بدفع هذه المستحقات في مطلع نيسان. لكنها تأخرت، ولن تدفع لهم قبل عيد الفطر، تقول مصادر مطلعة. فالوزارة تعد الجداول حالياً لمعرفة كيفية توزيع الأموال المتوفرة على الأساتذة الذين علّموا الطلاب. وبالتالي، لم يبق أمام الأساتذة لتحسين شروط عيشهم، إلا مماثلتهم بموظفي القطاع العام، ولا بوادر بإيجاد حلول للموظفين في القريب العاجل.
نزوح من الرسمي إلى الخاصما وصل إليه القطاع التربوي الرسمي لا يتحمل مسؤوليته الأساتذة المضربون. فهؤلاء ضحايا السياسات التربوية مثلهم مثل طلابهم. والمسؤولون لا يبالون بالقطاع الرسمي، وأبلغ دليل هو إجراء الامتحانات الرسمية، بدافع أن القطاع الخاص يطالب بها لمرحلة الثانوي. وبالتالي، ستكون الامتحانات على حساب نحو 15 ألف طالب في الثانويات الرسمية، لم يتعلموا أكثر من ثلاثين بالمئة من المقررات. وجل ما سيحصل عليه هؤلاء تخفيض المناهج وتسهيل الامتحانات.واقعياً، إضراب الأساتذة الحالي بلا أي أفق. فالأزمة التي يعيشونها هي عينها أزمة إفلاس الدولة. وتمسكهم بالإضراب مرده إلى أنه لم يعد أمامهم ما يخسرونه. لكن الإضرابات المتواصلة منذ ثلاث سنوات أدت إلى نزوح آلاف الطلاب من التعليم الرسمي إلى الخاص. ووفق مصادر مطلعة، طلبات الانتقال من الرسمي إلى الخاص مكدسة في وزارة التربية، ويصعب إيجاد حلول لها في الوقت الحالي. فقد مددت الوزارة فترة السماح لانتقال الطلاب من مدرسة إلى أخرى حتى نهاية شهر آذار الفائت. وانتقل آلاف الطلاب من المدارس الرسمية، وخصوصاً في مرحلة الثانوي، إلى مدارس خاصة حتى اليوم الأخير من آذار. بل إن الأسبوع الأخير من آذار شهد تقديم مئات الطلبات. وثمة عقبات إدارية تمنع الانتقال في ظل إقفال المدارس الرسمية أبوابها، لأنه لا يجوز أن يسجل الطالب في مدرستين. فالانتقال رسمياً يجب أن يتم بعد تقديم طلب انقطاع رسمي من المدارس الرسمية حيث تسجلوا مطلع العام، والأخيرة لم تنجز طلبات الانقطاع بسبب الإضرابات.
ستجد الوزارة فتاوى قانونية لطلبات الانتقال وسيصار إلى نقل الطلاب. لكن ما لم تحسب له الوزارة الحساب أن العام الدراسي المقبل سيكون كارثياً على غالبية اللبنانيين. فأقساط المدارس الخاصة بدأت ترتفع بشكل جنوني من دون مراعاة عدم تصحيح رواتب الموظفين في القطاعين العام والخاص. ما يعني أن موجة النزوح ستكون معاكسة من الخاص إلى الرسمي، لكن الأخير غارق في أزمة لا أفق لحلها.