يتعمّق الإنقسام بين اللبنانيين أكثر فأكثر، بسبب ومن دون سبب، فيما يغرق لبنان في سلسلة أزمات تتراكم وتتعمّق وتكاد لا تنتهي، وبالتالي تهدّد ما بقي له من سيادة مبدئية وصيغة نظرية ودور مزعوم، لا بل تهدّد عمق وجوده وهويته.
دخلنا في موسوعة غينيس للأرقام القياسية على رأس قائمة أكثر الدول فشلاً وأكثر الشعوب خلافاً. لم يبق شيء لم نختلف عليه، حتى التوقيت اختلفنا عليه، تقاتلنا على ساعة وقد دنت الساعة.
الإنقسام المتجذّر وسط انحلال الدولة وعجز المسؤولين، أو امتناعهم، عن اتخاذ أي خطوة إنقاذية، بات مرَضاً قاسياً لا بل سرطاناً قاتلاً. جميعنا ضحايا سلطة تعمل بإسلوب المافيا وليس بعقل رجال الدولة، نهبت، أو شرّعت الأبواب لنهب أموالنا وجنى أعمارنا، وهجّرت شبابنا، ودنّست دستورنا، وداست ديموقراطيتنا، وأطاحت قضاءنا، وشلّت مؤسساتنا، وقهرتنا وأذلّتنا، ودمّرت مستقبلنا وقصفت أعمارنا، وما انتفضنا الاّ على ساعة مسبّقة او مؤخّرة.
لا وفاق على خيارات لبنان الإقليمية، وقد دفعنا أثماناً باهظة بسببها.
ولا توافق على التزامات لبنان تجاه أشقائه العرب، وهو في أمسّ الحاجة اليهم.
لا توافق على مرجعية المواجهة مع اسرائيل، حرب بأجندة إقليمية او التزام باتفاقية الهدنة؟
لا توافق على الحياد، لا الإيجابي ولا سواه، ولا اتفاق على تحييد لبنان لتجنيبه كوارث نزاعات الفيلة على أرضه.
لا توافق على خطّة مالية اقتصادية لإنقاذ لبنان من الانهيارات المتتالية التي تهدّد مستقبل لبنان ومصير اللبنانيين.
لا توافق على رفع الأيدي عن القضاء وضمان استقلاليته.
لا توافق على توحيد سعر صرف الليرة، ولا على اعتراف الدولة بالتآمر، مع غالبية المصارف وعليها، في نهب أموال المودعين وكيفية إعادتها إليهم.
لا توافق على انتخاب رئيس للجمهورية، ولا توافق على الاحتكام إلى الدستور والتزام مبدأ الديموقراطية.
لا توافق على الاستفادة من التحوّل الاستراتيجي الكبير في الشرق الأوسط لإعادة إنتاج سلطة تواجه المخاطر والمآسي التي يعاني منها الشعب اللبناني.
لا توافق حتى على قنبلة النازحين الموقوتة، والتي يتجاهل المجتمع الدولي كل صرخة أو نداء لمعالجتها.
وبالتالي، كيف يمكن أن يستمر نظام لا توافق بين أقطابه على أي شيء غير نهب خيرات البلد وإفقار شعبه وقهره وإذلاله؟