في ظلّ أزمة مالية غير مسبوقة ومستمرة، بات من الصعب إتمام معاملة في موعدها الطبيعي. حتى تلك التي كان إتمامها «تحصيلَ حاصل»، أصبح الحصول عليها مشقّة، وبات إصدار إخراج قيدٍ فردي من دوائر النفوس أو الحصول على رقم مالي من وزارة المالية أو إفادة عقارية أشبه بالفوز بـ«ورقة لوتو» في زمن الانهيار.اليوم، ثمّة أزمة على بساطتها، إلا أنها تشُلّ العديد من مؤسسات الدولة، وهي أزمة النقص الفادح في الأدوات المكتبية اللازمة لإنجاز المعاملات، من الأوراق البيضاء إلى أوراق الإيصالات إلى القرطاسية، من دون أن ننسى الكهرباء. غياب هذه الأمور يجعل من مَهمة إصدار ورقة مهمة رسمية، مهمة مستحيلة، أما السبب الأساس الذي أوصل إلى انتكاسة بهذا الحجم، فيكمن في مكانٍ واحد: الفارق بين «ليرة» الدولة وبين دولار السوق الذي تُسعّر على أساسه غالبية الخدمات، إذ إن كلّ المستلزمات واللوازم المكتبية لا تزال تُرصد كلفتها ضمن موازنة الدولة بالليرة اللبنانية، وفق سعر صرفٍ رسميٍّ متوقف عند 1507 ليرات، فيما هذه المستلزمات مستوردة. المالية: أزمة ثلاثية الأبعادفي وزارة المالية الوضع ليس أفضل. فهي لم تعد تملك فائضاً اليوم كي تصرف منه على مؤسساتٍ تلجأ إليها عند الحاجة بعدما دخلت نفق الإفلاس، وباتت أزمتها متشعّبة اليوم. وإذا كانت تحلّ بعض النواحي المتعلقة بالمستلزمات… بالتعطيل عن العمل أو التساهل في إتمام طلبات المواطنين، إلا أن هذه الحلول لا تنجح دائماً.يمكن وصف الأزمة في المالية على الشكل التالي: إما أن هناك محروقات «بس مولّد الكهرباء عطلان»، وإما أن المولّد في نطاق الخدمة «بس ما في محروقات»، وإما أن هناك مولداً ومحروقات «بس ما في حبر للطابعة»، وإما أن كل تلك العناصر متوفرة ولكن لا ورق. في الآونة الأخيرة، باتت وزارة المالية أكثر تساهلاً في طلباتها للتخفيف من كمية استهلاك الأوراق، فعملت على «إعطاء الرقم المالي مثلاً على قصاصة ورقٍ مع طالب المعاملة أو تصويره عبر كاميرا الهاتف». مع ذلك، الأزمة لم تنته، لأن المعضلة الكبرى اليوم تكمن في غياب عقود الصيانة في كل شيء، وهو ما يوقف العمل في كثير من الأحيان.
وزارة الداخليةلا تختلف الأحوال في مديرية الأحوال الشخصية في وزارة الداخلية والبلديات عن معظم مرافق الدولة، وتحديداً تلك التي تكون عادة على تماس مباشر مع المواطنين، إلا أنها «استفادت» بعض الشيء من «سلفة» الانتخابات النيابية، إذ استفادت من الوفر الذي حقّقته المديرية في «شغل الانتخابات» لتسيير المعاملات في دوائر وأقلام النفوس، خصوصاً أن لا استدراج عروض بسبب الأزمة البنيوية المتعلقة بالفارق في الأسعار بين الليرة والدولار. ولذلك، كان الاعتماد في فترة من الفترات على ما يقدّمه المتبرعون من مستلزمات، ومن كان يقدّم «المال مثلاً كنا نطلب منه أن يعطيه مباشرة لمطبعة الجيش اللبناني، حيث نطبع».من جهة أخرى، تواجه المديرية في بطاقات الهوية الأزمة نفسها التي يواجهها الأمن العام في ما يخصّ استصدار جوازات السفر، لكون الشركة هي نفسها. وكان خوري يطمئن بأن لا أزمة هذا العام، إلا أن بعد ذلك لا يمكن تقدير ما يمكن أن يكون عليه الموقف. مع ذلك، يشير إلى أن لجنة المال والموازنة وافقت على طلب 15 مليار ليرة لزوم طباعة بطاقات الهوية، ومن المفترض أن « هناك مستنداً في يدنا» للتفاوض مع الشركة.هكذا، تسير الأمور في المديرية: خطوة خطوة. ولأجل ذلك، يضع العميد خوري «برنامج عمل» لأقلام النفوس يقوم على قاعدة «إعطاء كلّ قلم، كلّ أسبوع، على قدر ما استهلكه خلال الأسبوع الماضي»، يعني «حتى ما نكبّر فشختنا».