من البديهي أن يجمع الناس والمحللون الاقتصاديون والسياسيين على أن الازمة المالية الخانقة التي يشهدها لبنان تساهم الان في تهديد استقراره حتى أنها تعتبر من أخطر الأزمات التي شهدها البلد منذ الحرب الأهلية، اذ أن نصف اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر.ويرد البعض ما يشهده لبنان حاليا إلى سلوك أطراف سياسية داخلية، أدت إلى حالة عداء بين لبنان ومحيطه العربي، في حين يرى جانب آخر أن كل ما يحيق بلبنان حاليا من تدهور، يعود إلى عقود طويلة من الفساد المستشري، عبر حكومات متعاقبة منذ التسعينيات، أغرقت البلاد بديون دون إصلاحات جذرية تهيئ لمعالجة مشاكل الفساد وبناء المؤسسات، وأدت في النهاية إلى ما نشهده اليوم من حالة إفلاس تام.
الا أن السؤال الأهم اليوم هو من المستفيد من هذا الجحيم المعيشي؟اذا نزلت الى الشوارع اللبنانية الشعبية وتأملت المشهد ستتفاجأ بكمية الناس التي حولت الطرقات الى أماكن تجارية تحاول بيع ما استطاعت فيها، اذ أن إيجارات المحلات لا تترك للتاجر الصغير مصدر ربح وكلفة الكهرباء أو الطاقة الشمسية تحتاج الى مسيرة حياة عملية كاملة لدى البعض من أجل تأمين ثمنها.
في الطريق تجد طفلة جائعة وامرأة مكسورة تحاول أن تغض نظر ابنتها عن ألعاب أو مأكولات قد تشتهيها ولا تملك حقها، وترى ناس تصارع الحياة بكامل قواها وقدراتها الذهنية والبدنية لكي تؤمن حاجاتها الأساسية.وفي عالم موازي، يأخذك الى الأماكن الفارهة، تجد الحياة طبيعية و “الليرة بألف خير” لأن معاشات هؤلاء “بالدولار وليس بالليرة”، في هذا العالم تجد أصحاب المناصب والنفوذ التي جعلت العالم الاخر متدني يبحث عن لقمة عيشه في عناء وكبت.
وفي الوقت الذي تحتدم فيه الأزمة المعيشية، ولا تبدو هناك أية دلائل على إمكانية وقف التدهور، يتبادل الفرقاء السياسيون والشارع الاتهامات، بشأن من هو المسؤول، عن هذا الانكشاف الكبير لحالة البلاد الاقتصادية، وتدهور معيشة الناس إلى مستويات غير مسبوقة.