لا يمكن تصور حجم الكارثة التي حلت بقطاع الاستشفاء الصحي في لبنان بعد الانهيار المالي
الذي أصاب البلد منذ أكثر من سنتين. ولا يمكن تخيل مدى المأساة التي يعيشها غالبية اللبنانيين
الذين يحتاجون للمعالجة الطبية، لأن المستشفيات الحكومية التي كانت تستقبل المرضى
غير المضمونين تعاني من نقص في اللوازم الطبية والأدوية الضرورية، لأن شراء هذه المواد يحتاج
للعملة الصعبة وهي غير متوافرة لديها، وعدد من كادرات الطواقم الطبية والتمريضية في
هذه المستشفيات تركوها وهاجروا بسبب تراجع قيمة أجورهم. وانتقال المرضى للعلاج في المشافي الخاصة،
يواجه صعوبات كبيرة جدا، نظرا لارتفاع تكلفة العلاج فيها، ولأن الصناديق الضامنة مازالت تدفع بالليرة اللبنانية
عن المرضى، وهو ما يوازي 10% من الفاتورة المستحقة كحد أقصى، وعلى المريض تأمين دفع المبلغ المتبقي، والغالبية عاجزة عن الدفع بسبب تدني قيمة دخلهم، او بسبب عدم قدرتهم على استخدام أموالهم المحتجزة في البنوك.
يحتاج لبنان لمساعدة دولية عاجلة لإنقاذ أبنائه من هول الكارثة التي حلت بقطاع الاستشفاء.
والمساعدات التي تقدم من الجمعيات الإنسانية ومن الزعماء السياسيين والروحيين ومن الأحزاب،
لا تكفي على الإطلاق لحل المعضلة، وهذه الجهات بدأت تستنفد كل احتياطاتها المالية المتوافرة،
لأن المدة الزمنية للأزمة طالت، وموارد هذه الجمعيات تقلصت، والتبرعات من المغتربين لهذه الغاية تراجعت الى الحدود الدنيا، بينما الفئات التي تحتاج الى مساعدة في الفاتورة الطبية تزداد، وقاربت 85% من اللبنانيين،
بمن فيهم عائلات أفراد وضباط القوى الأمنية الحكومية. حتى إن حزب الله بدأ يشكوا من عدم قدرته على
تغطية نفقات استشفاء عناصره وعائلاتهم لأن وزارة الصحة كانت تتكفل بعلاج عدد كبير منهم،
على غرار باقي غير المضمونين من اللبنانيين.
هناك عدد كبير من المرضى يتحملون أوجاعهم لأنهم غير قادرين على الدخول للمستشفيات،
ولا يستطيعون دفع فاتورة الدواء المرتفعة، ومن بين هؤلاء ضباط متقاعدون وأساتذة جامعات وأفراد الهيئات التعليمية، وغالبية المنتسبين الى صندوق الضمان الاجتماعي المناط به معالجة موظفي القطاع الخاص وعائلاتهم، وهذا الصندوق مازال يدفع الفواتير على أسعار 12 الف ليرة مقابل الدولار الواحد، بينما كلفة العلاج تحتسب على أساس 95 الف ليرة للدولار، وعلى المضمونين دفع فروقات المبلغ الهائلة، وهم بالكاد يستطيعون تأمين رغيف الخبز لعائلاتهم. أما شركات التأمين فقد حولت أقساطها بالدولار الأميركي، واقتصر عدد المنتسبين اليها على فئة قليلة من الأغنياء، بينما صناديق التعاضد التي تتولى الخدمات الصحية لأعضاء نقابات المهن الحرة من محامين وأطباء ومهندسين وغيرهم، تخلفت عن تأمين التغطية الطبية لعدد كبير منهم، لأن هؤلاء عاجزين عن تسديد أقساط الاشتراكات التي أصبحت تدفع بالدولار الأميركي، بينما مداخيل غالبيتهم بالليرة اللبنانية، وهي تراجعت بشكل كبير من جراء الانهيار الذي أدى الى الركود في أعمال هذه القطاعات.
عدد من المستشفيات أقفلت بالكامل، وبعضها استغنى عن أقسام استشفائية مهمة، لاسيما الأقسام التي تعالج مرضى القلب والسرطان، لأن كلفة استمرار هذه الأقسام أصبحت أكبر من طاقته هذه المستشفيات على احتمالها، ووزارة الصحة تدفع مساهماتها متأخرة لهذه المستشفيات، وبأسعار لا تصل الى 10% من القيمة الفعلية للفواتير.
رئيس لجنة الصحة النيابية الطبيب بلال عبدالله قال: إن لبنان في أزمة خانقة، ويحتاج لكل أنواع المساعدة لقطاع الاستشفاء. ووزير الصحة فراس الأبيض أعلن عجز الوزارة عن معالجة الوضع، نظرا لتدني قيمة الاعتمادات المرصودة لها في الموازنة. ورئيس نقابة أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون اعتبر أن الاستشفاء في لبنان أصبح لفئة الأغنياء فقط، وغالبية المستشفيات التي تعتمد على الصناديق الضامنة وعلى اعتمادات وزارة الصحة ستقفل أبوابها أمام المرضى عاجلا أم آجلا إذا بقي الوضع على ما هو عليه.