إقتصاد

القرم: 163 مليون دولار خسارة الدولة سنوياً من الإنترنت غير الشرعي

By Suzan Salma

May 15, 2023

تأخذ قضية الإنترنت غير الشرعي وكيف يؤثّر على واردات الخزينة سلباً وعلى التحكم بالمشتركين، الذين يقدَّرون بالمئات، حيزاً من الجدل، قضية تستمرّ منذ سنوات ولم يبادر أي وزير لحلّها. لا بل كان أكثر الوزراء يتساهلون مع هذه الشركات، فمن أهدر الملايين وفق تقرير ديوان المحاسبة في موضوع إيجارات المباني لن يتوقع منه أحد أن يلجم من يسرق أموال الدولة ويهدر أموالها.

يلفت وزير الإتصالات في حكومة تصريف الأعمال جوني القرم، في حوارٍ مع صحيفة «نداء الوطن» إلى أنّ «المشكلة قائمة منذ أكثر من عشر سنوات. وجرى البحث عن حلّ على أيام وزير الإتصالات السابق محمد شقير».

«كل واحد فاتح ع حسابو» وبما أنّ الدولة هي مصدر كل داتا الإنترنت في لبنان كيف يمكن تبرير وجود إنترنت غير شرعي؟

تشير مصادر مطلعة لـ»نداء الوطن»، إلى أنّ «الدولة التي تشتري الداتا تعود لتبيعها»، وتتحدث عن «تراجع الإيرادات التي لا تكفي حتى لتغطية إستثمار الشبكة، كما أنها تقوم بما يسمى حق الترابط أي أنها تتقاضى رسوماً عن كل شخص مشترك في الإنترنت لذلك عليها أن تعرف عدد المشتركين جميعاً. لكن ما يحصل أن هناك بعض الشركات لا تقوم بالتصريح عن كل مشتركيها فتخسر الدولة الرسوم العائدة لهؤلاء غير المصرح عنها».

ومن هذا المنطلق تشبه المصادر المشكلة القائمة بمشكلة الكهرباء والمولدات في الأحياء، بمعنى ان «كل واحد فاتح ع حسابو» ويتحكم بالمواطن من خلال التكلفة والسعر.

أين وزارة الإقتصاد؟

لكن أين وزارة الإقتصاد عن ملاحقة المخالفين؟ هنا يعترف الوزير القرم لـ»نداء الوطن» بالجهد الذي «تقوم به وزارة الإقتصاد، لكن هذا غير كاف، لذلك يكشف عن خطة لتفادي هذا الموضوع، ويقول: «أول خطوة قمنا بها هي أننا أصدرنا مرسوماً يحمل رقم 9458 في 1-7-2022 عرّفنا فيه ما يسمى «موزّع الحي» الذي لم يكن موجوداً، كما عرّفنا «موزّع الداتا «. واستطعنا الوصول إلى حل أن تبقى الدولة تتعامل معهم عبر توقيع عقد صيانة، بما أنهم هم من أنشأوا الشبكة واهتموا بصيانتها، علماً أن المرسوم شدد على عدم شرعية هذه الشبكة لكنها ستبقى كما هي للدولة».

الهدف ضبط الشبكة

ويتوقف الوزير أمام ما يحصل في الفترة الأخيرة، فيلفت إلى أنه «منذ فترة يسعّر موزعو الإنترنت على المواطن بالدولار، لذلك الهدف من كل ما تقوم به الوزارة هو أن تضبط هذه الشبكة وتستطيع أن تعرّفها بالخرائط الموجودة لديها، وتفتح كل هذه الشبكة على بعضها لتخلق منافسة حقيقية وتسمح للمواطن بالتعاقد مع من يريد، وعندها تصبح الأسعار والخدمة منظمة بشكل أوفر وأفضل».

ويتحدث عما حصل بعد صدور المرسوم، «شكلنا فريق عمل وجمعنا معلومات من 107 شركات ولكن هناك شركة واحدة لم تتجاوب معنا وتم إقفالها، وأفادتنا الشركات الـ107 أن لديها 600000 مشترك لم نكن نعلم عنهم شيئاً، حينها توجهنا إلى هيئة الإستشارات وديوان المحاسبة لنؤكد مرة ثانية أنه من حقنا تقاضي أموالاً عن هؤلاء المشتركين دون أن نكون أعطيناهم شرعية للشبكة، وتلقينا جواباً إيجابياً».

ما يسرقونه من الدولة

ويبشّر أنّ الوزارة اليوم أصبحت بمرحلة يمكنها القبض عن كل مشترك، ويقول: «السؤال كم سنتقاضى عن كل مشترك؟ فوفق المرسوم الحالي يحق لنا بـ 85 ألف ليرة عن كل مشترك، فإذا طرحنا عملية حسابية 600 ألف ضرب 85 ألفاً ضرب 12 يساوي 612 مليار ليرة، هذا المبلغ كان يذهب من طريق الدولة، علماً أننا هنا قمنا بزيادة السعر مرتين ونصف، أي ما يوازي 163 مليون دولار في السنة عندما كان الدولار على سعر 1500 ليرة، وهذا هو حجم الخسارة السنوية للدولة».

إشكالية في القبض

ويضيف: «لدينا إشكالية تتمثل في القبض. فنحن كنا بحاجة إلى إبرام عقود بيننا وبين هؤلاء الأشخاص لأنه يتوجب علينا الدفع لهم مقابل الصيانة، وطبعاً هذه العقود بحاجة إلى موافقة مسبقة من ديوان المحاسبة وبحاجة إلى إقامة «مقاصة» في ما بيننا، أي ما معناه انه كان هناك مشاكل إدارية – قانونية تتمثل بكيفية العمل بهذه العقود الجديدة، وكيف سنتمكن من إقامة «مقاصة» في ما بيننا».

الوزارة عاجزة عن ضبط الشبكة 100%

ويتابع: «أهم شيء بالنسبة لنا هو قدرتنا على فتح جميع الشبكات على بعضها وخلق منافسة حقيقية، ويعتبر أن «المشروع بحاجة إلى الوقت لينجح»، معترفًا أنه «عملياً لا تستطيع الوزارة ضبط الشبكة 100%»، مشيراً إلى «إجراءات يجب إتمامها بالمكاتب ويجب الحصول على خرائط هذه الشبكات وإدخالها في برامج الوزارة، ويجب أن يصبح لدينا رؤية تشمل كافة الشبكة اللبنانية وكافة المعلومات المتعلقة بها متوفرة لدينا مكتبياً وإدارياً، وعلى الأرض أيضاً سوف يكون هناك عمل جدي حيث علينا أن نتواجد شخصياً لمراقبة هذه الشبكات، إذاً فالموضوع يأخذ وقتاً».

حرب شرسة

ويؤكد «إرسال كتاب لأصحاب هذه الشركات ومطالبتهم من خلاله التعهد بتسليم خرائط هذه الشبكة والمساعدة في الوصول إلى الهدف المنشود، لذا هناك بعضهم لن يكون مسروراً بهذا الكتاب، ولكن بالنتيجة ما يهمنا هو مصلحة المواطن وهناك أشخاص مستفيدون سوف يعمدون إلى محاربتنا بهذا الموضوع إلا أننا مصرون على العمل وفق ما يمليه عليه ضميرنا، وأصحاب هذه الشركات يتبعون لكافة الفرقاء السياسيين، ومن كل الطوائف والمنطق لذلك، الحرب ضدنا سوف تكون شرسة».

مضمون الكتاب

وتضمن الكتاب، الموجه لهم: الموضوع: «ضبط شبكات التوزيع والربط المخالفة من دون ترخيص وفق الأصول المستعملة لنقل وتوزيع خدمات الانترنت ونقل المعلومات: بالإشارة الى الموضوع والمرجع المبينين أعلاه وبناء على أحكام المادة السادسة عشرة من القسم الرابع من مرسوم 9452 المتعلقة بضبط شبكات التوزيع والرفض والمخالفة أو المنشأة من دون ترخيص المستعملة لنقل وتوزيع الإنترنت ونقل المعلومات، ووضعها بتصرف وزارة الاتصالات لإدارتها لحين إتخاذ القرار المناسب من قبل القضاء المختص، ولتمكين وزارة الإتصالات التعاقد لصيانة الشبكات السلكية واللاسلكية المضبوطة والمنشأة قبل صدور المرسوم، يطلب إليكم وفي مهلة أسبوعين من تاريخه التقدم من وزارة الإتصالات المديرية العامة للإستثمار والصيانة لتوقيع المستندات اللازمة لضبط الشبكة المنشأة دون ترخيص وفقاً للأنظمة المعمول بها تحت طائلة إتخاذ الإجراءات المنصوص عليها في القوانين والأنظمة المرعية الإجراء».

ويقول الوزير: «هذا الكتاب الذي وُزّع على 107 شركات سيكون له أثر كبير حيث سيفجر الأوضاع، ونحن فرضنا واقعاً يؤكد عدم قدرتهم على الهروب ومن لا يريد التعاون معنا بهذا الموضوع سيُحول إلى القضاء».

لا خيار إلا القانون

ولم يكتفِ الوزير بهذا الكتاب فقد أرسل كتاباً آخر وطلبنا فيه من جميع الشركات الحضور لتوقيعه وكل شخص يتخلف عن التوقيع سيتحول ملفه إلى القضاء وبخاصة أنهم صرحوا بأن لديهم مشتركين غير مصرح عنهم للدولة. ويكشف أنه بطريقة ما أصبح لدى الوزارة معلومات عن المشتركين الذين لا تصرح عنهم الشركات»، ويحسم أنه ليس لدى «الشركات أي خيار إلّا الإلتزام بالقانون ونحن مصرون على السير قدماً بهذا الموضوع، وهدفنا الأول والأخير بأن لا يحصل معنا كما حصل بشبكة الكهرباء.

ويتوجه الوزير إلى الرأي العام ويقول: «نريد منكم الوقوف بجانبنا، هذه الخطوة تصب بمصلحتكم ولن نزيد عليكم أي ليرة بل على العكس ستنخفض الكلفة، ونحن هنا نعول على وعيكم، وحتى لو حوربنا فمصلحة المواطن هي همنا بالدرجة الأولى، وهنا أود توضيح نقطة هامة جداً وهي بأن المواطن من المستحيل أن يدفع زيادة، فهم سيروّجون بأن الوزارة زادت عليهم وسوف تدفعون زيادة لكن هذا غير صحيح ولا يمت إلى الحقيقة بصلة، لأننا لم نلجأ للزيادة. على العكس بل كل ما نطالب به هو دفع حصة الدولة من المستحقات التي يدفعها المواطن».

وفي هذا الإطار تكشف المصادر، أنّ «عدد هذه الشركات لا يحصى، وكل ما تسعى إليه هو عدم تقليل نسبة أرباحها».

كما يعول الوزير على نقطة ثانية بإمكانها المساهمة بإنجاح الخطة، وهي أن «الوزارة لم تطلب من أصحاب الشركات توقيف شبكاتهم ومصالحهم، بل عرضت عليهم في حال جهوزيتهم أن يوقعوا معهم عقد صيانة لصيانة هذه الشبكة والتي هي ملك الدولة وسيكون لهم حصة أيضاً وليس بالمجان»، ويتابع: «لذا لدينا أمل كبير بنجاح هذه الخطة لأنها تتضمن عدة مكونات أساسية وليس قطع رؤوس وقطع كابلات. فلو إقتصرت على عملية قطع كابل فهناك فقط 400 ألف مشترك والذين هم شرعيون ويأخذون من أوجيرو، فهم من سيبقى لديهم إنترنت وأما البقية فسينقطع عنهم»، ويقول: «لكن نحن ليست هذه خطتنا، نحن نعمل وفق طريقة من شأنها خلق منافسة، ومن أصل 600 ألف هدفنا كدولة أن نأخذ 200 ألف والـ 400 ألف من سوف يأخذهم، بالتأكيد الشرعيون، نحن هنا أيضاً نشجع الأشخاص الشرعيين أن يصبحوا شرعيين أكثر».

كي تنجح الخطة؟

الوزارة وفق الوزير جوني القرم بحاجة لأن يكون القضاء إلى جانبها وكذلك الإعلام والأهم المواطن. وقال: «نحن علينا أن نقوم بواجباتنا مع هذه الشركات ونفسر لها أين مصلحتها كي تسير بالطريق الصحيح». ويشير هنا إلى «المحفزات لتشجيع تلك الشركات على التعاون مع الوزارة، فإذا لم تتعاون ستكون معرضة للخسارة الكبيرة، وأما إذا تعاونت معنا فلديها فرصة بزيادة عدد المشتركين أي تخسر بالمبلغ، لكن في المقابل يزيد عدد المشتركين لديها».

إبتزاز من بلديات ومخافر

تثني مصادر معنية على «الخريطة التي تسعى الوزارة لتوضيح معالمها، فهي تحمي المشترك وتحرّره من أي تهديد أو إبتزاز»، حيث تشير إلى أن «بعض الشركات والموزعين يتعرضون أحياناً كثيرة إلى ضغط من قبل البلديات وحتى المخافر من خلال إبتزازهم، وهنا الأموال التي كان من المفترض دفعها إلى الدولة يدفعونها الى أشخاص معينين للمحافظة على وجودهم».