“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
تسارعت التطورات في ملف حاكمية مصرف لبنان، لا سيّما مع دخول بيان نواب الحاكم الأربعة مسرح الأحداث في ظل المفاعيل التي أرساها، والتي لا يمكن عزلها عن تأمين خدمات سياسية أو الظن أنها لم تأت كاستجابة سياسية. وقال مصدران مطلعان لـ”ليبانون ديبايت”، إن بيان “النواب الأربعة” خطف الإهتمام بالملف الرئاسي وأنتج دينامية سياسية واضحة، حيث أن رئيسي مجلس النواب نبيه بري وحكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بدأ تواصلاً في عدة إتجاهات لمحاولة “تجميع” الأطراف السياسية حول حلّ ما في الحاكمية.
وبينما تولى ميقاتي “مخاطبة” الأطراف المسيحية غير “التيار الوطني الحر”، على رأسها البطريركية المارونية ومن ثم “القوات” من خلال أداء مباشر أو الإستعانة بوسطاء لفهم مآلات تلك القوى. تفرّغ الرئيس بري لمحادثة “حزب الله”، وسط ملاحظة تباينات “نادرة لكنها عميقة” حيال نظرة الطرفين إلى الأزمة.
وقالت الأوساط إن بين الحزب والحركة “تباينات” حيال مصير موقع الحاكمية. فبينما يفضّل بري “تعيينات الضرورة” إستجابة لفكرة “حماية الموقع من الشغور”، يرتكز الحزب إلى الكلام السابق لأمينه العام لناحية تطبيق النص وتفضيل عدم التعيين في حكومة تتولى تصريف الأعمال ضمن الإطار الضيق. وعلم “ليبانون ديبايت” أن الحزب ما زال متبنياً لهذه الفكرة.
وتقوم استراتيجته الحالية على عدم تبنّي خيارات قد تُصنّف أو يمكن تفسيرها في دائرة مخالفة للرأي المسيحي العام أو موجهة ضده، أو يمكن استخدامها في إشاعة أن الحزب يتبنّى خيارات “إستفزازية” من خلفية تردي العلاقة مع “التيار الوطني” أو رداً عليه.
وفي معلومات خاصة، أن “جهات في الحزب أجرت أخيراً تواصلاً هو الأول من نوعه منذ مدة في شأن ملف ما مع “التيار الوطني”، في محاولة لفهم ما لديه حيال أزمة المصرف المركزي ولتنسيق الخطوات”. ويبدو من الخلفية، أن الحزب لن يُشارك في أي جلسة حكومية قد تطرح أو تُناقش إجراء تعيينات في حاكمية مصرف لبنان (أو غيرها)، متناغماً مع القوى المسيحية المعارضة للفكرة.
بحسب ما يتسرّب، ثمة مجموعة أفكار يجري درسها للوصول إلى نتيجة مقنعة ومرضية لموضوع الحاكمية. وهنا، تُعيد الأوساط التأكيد على الحضور الأميركي الكامل في الملف وكعامل أساسي ومؤثر لا يمكن إنكاره.
فالأميركيون يريدون استمرارية المرفق بما يرضي تعاملاتهم وسياساتهم النقدية المستقبلية وإستجابة لقوانينهم. ولوحظَ أن الأميركيين يفضلون “تأييد فترة إنتقالية مؤقتة على تعيين مباشر وجديد” تاركين عدة الشغل للمرحلة المقبلة ضمن “باكيج ديل” يتضمّن الرئيس – الحكومة والتعيينات العسكرية والمالية. وفُهم في هذا الاطار أن الأميركيين، لا يمانعون استمرار حاكم مصرف لبنان الحالي رياض سلامة بتأدية أدوار، “وفق الطريقة الأفضل التي يمكن تأمينها”.
وفُهم من متابعين أن لا فيتو على بقاء رياض سلامة “لمرحلة إنتقالية مؤقتة وقصيرة” ضمن تسوية معقولة وأن لا مشكلة لديهم مع النائب الأول للحاكم وسيم منصوري، المستفيد من مضمون المادة 25 من قانون النقد والتسليف لجهة تسلّمه الموقع، لكنهم لم يمنحوه كلمةً واضحة حيال تسيير المرفق أم لا، إبّان وجوده في واشنطن، ما وضع الأخير في موقع ملتبس، ذهبَ على إثره صوب التوقيع على بيان النواب الأربعة. ولفهم توجهات الإدارة الاميركية الحقيقية بما له علاقة بموضوع مصير الحاكمية، جاءت خطوة “سحب إسم” رياض سلامة عن النشرة الحمراء التابعة للإنتربول، وقبلها “التجاهل” الأميركي لكل السياق القانوني الجاري في حقه، ما يدل إلى استمرار تمتع الرجل بحاضنة أميركية.
عملياً وبحسب التسريبات، ثمة 3 حلول حقيقة يجري العمل على إنضاج ظروف واحدة منها تقوم على الآتي:
أولاً تطبيق نص المادة 25 من قانون النقد والتسليف وذهاب الحاكمية إلى النائب الأول وسيم منصوري. هذا يحتاج فضلاً عن موافقة منصوري إلى موافقة النواب الثلاثة الآخرين كي يكون العمل قائماً على فكرة “الإدارة الجماعية”، ودعم قوى سياسية أخرى. وأهمّ ما يعرقله فكرة طائفة المرشح، إذ أن رئيس المجلس ما يزال رافضاً لفكرة أن يتولى شيعي هذا المركز بالذات. بالإضافة إلى ما ينقل من محيط منصوري حول “خشيته” من اليوم الثاني بعد قبوله التولي –في حال حدث-. فالرجل يطلب دعماً سياسياً إستثنائياً. والمصيبة، بحسب المصادر، أنه يطلب هذا الدعم الإستثنائي من حكومة غير قادرة على تأمين صلاحيات إستثنائية لنفسها لإدارة المرحلة الإستثنائية!
الخيار الثاني ويتمثل بتعيين شخص ما في موقع الحاكمية. وتؤكد معلومات “ليبانون ديبايت” سريان مباحثات “بشكل سري بين مجموعة قوى أساسية لتعيين حاكم بالأصالة”. وفي ظل تأمين دعم شيعي (ممثل برئيس المجلس) وسنّي برئيس الحكومة ومجموعة قوى ممثلة نيابياً، يبقى الخيار “غير واضح” مسيحياً. فصحيح أن بكركي تريد تمرير مشكلة الحاكمية بأي ثمن مع المحافظة على العرف لجهة إدارتها من قبل “مسيحي”، لكنها ترفض أن يأتي التعيين على حساب موقع رئيس الجمهورية أو يشكل تجاوزاً له. كذلك “القوات اللبنانية” الباحثة عن خيارات “تناسبها” ومن ضمن استراتيجيتها. وثمة كلام يتردد عن أن لديها مرشحاً وتسعى إلى تمريره ضمن “مقايضة ما”، وهو ما يعمل ميقاتي على محاولة فهمه. كذلك ثمة مشكلة رئيسية، تتمثل في عدم القدرة على تأمين تعيين في جلسة حكومية يُقاطعها أو لا يغطيها “حزب الله”.
الخيار الثالث كان سبق أن لفت إليه مستشار رئيس الحكومة الوزير السابق نقولا نحاس في سياق محاولات ميقاتي البحث عن “مخارج متعدّدة، منها التعيين وتسلُّم نائب الحاكم الأوّل صلاحيّات الحاكم، وإذا لم يتمّ التوافق على المَخرَجَيْن فهناك مخرج جديد قيد الدرس”.
ومخرج “قيد الدرس” يمكن ذكره إختصاراً بوصاية وزير المالية على مصرف لبنان. ومستغلاً من حالة الشغور القائمة في حالة إستقالة النواب الأربعة، ومستفيداً من روح القانون الإداري (تسيير المرفق العام والضرورات تبرر المحظورات)، يصدر مذكرة يكلف من خلالها سلامة البقاء في منصبه مسيراً للمرفق. لكن دون ذلك عقبات، تتمثل بقوى رئيسية قد لا توافق إطلاقاً على مثل هذا المخرج، والأخطر أنها قد تذهب بعيداً في مواجهته. إضافة إلى ذلك ثمة بعد قانوني لا يقلّ شأناً، وسط حديث أنه لا يجوز لوزير المالية القرار في شأن مركز يعتبر شاغله ذو صلاحيات واسعة وليس من قدرة لعزله لغير رئيس الجمهورية. وطالما أن العزل لا يتوفر إلاّ بإقتراح من الرئيس إذاً فمسألة الإبقاء عليه تتقاسم ذات المفهوم. قد تفتح هذه الجدلية القانونية على تنوع إجتهادات أو الذهاب نحو مجلس شورى الدولة للتقرير.
وطالما أن في مثل وضع استثنائي قد يطول الرأي “إنفاذاً للمرحلة الإستثنائية”، يحمل تعدد الإجتهادات لشرعية الموقع قسماً من اللبنانيين للإعتقاد بعدم شرعية من يمثله. وبالتالي تصبح القرارات التي ستصدر عنه موضع خلاف والتباس.