من سوء حظ اللبناني انّ الحرب الروسية – الأوكرانية اندلعت في توقيت أكثر من حساس بالنسبة الى الوضع المالي في الداخل، وضمن المعطيات التالية:
اولاً- دولة مفلسة توقفت عن دفع ديونها، وهي تنفق من اموال الناس بالكامل منذ نهاية العام 2019. وقد أهدرت حتى الآن حوالى 20 مليار دولار، من دون ان تتمكّن من تثبيت ولو خطوة واحدة في مسار المعالجة للخروج من هذا الوضع.
ثانياً- مع اقتراب الانتخابات النيابية، وبعدما وصل سعر صرف الدولار الى 33 الف ليرة، وكان مقدّراً له أن يواصل الارتفاع، ومع اهتزاز الأمن الاجتماعي وتحرّك الشارع، لجأت الحكومة، وبقرار منفرد من رئيسها، الى العودة الى دعم الليرة. وهذا يعني كسر قرار التوقّف عن الإنفاق من الاحتياطي المتبقي، وهو القرار الذي كان بدأ ينفّذه مصرف لبنان من خلال وقف القسم الأكبر من دعم السلع والخدمات، والاكتفاء بالدعم القادر على تأمينه من دولارات السوق فقط.
ثالثاً- لم يعد واضحاً اليوم ما هو حجم الاحتياطي المتبقّي في مصرف لبنان، خصوصاً انّه يتمّ اعتماد اسلوب تأجيل دفع الفواتير، بما يعني انّ المبلغ الحقيقي المتبقّي، إذا ما تمّ تسديد الفواتير، أقل بكثير من المبلغ المُصرّح عنه رسمياً من قِبل المصرف.
رابعاً- ليس معروفاً حجم الخسائر التي يتكبّدها المركزي جراء دعم الليرة، لكن ما هو مؤكّد انّ هذه الخسائر سترتفع بسبب تداعيات الحرب، بحيث انّ الكلفة ستصبح أكبر لاستيراد كل السلع، وفي مقدّمها المحروقات للقطاع العام وللقطاع الخاص، لأنّ الليرة باتت مدعومة، ويتمّ شراء الدولار بسعر اصطناعي.
هذه الحقائق تقود الى استنتاج انّ البلد امام مشهد جديد اشدّ سوداوية من المشهد المأساوي القائم منذ اعلان الإفلاس في آذار 2020. وسيكون الضغط كبيراً على ما تبقّى من دولارات في المركزي. والانتخابات تحول دون اتخاذ قرارات عقلانية في مواجهة هذه الكارثة، وبالتالي، من المرجّح ان يتمّ اعتماد الإجراءات الأسهل، ولكن الأكثر كلفة في المرحلة المقبلة. وليس مستبعداً ان نكون اقتربنا من مشاهد الفقر المزمن. إذ انّ المشكلة، على سبيل المثال لا الحصر، ليست في فقدان القمح، بل في مصدر الدولارات لشرائه بسعر مرتفع. وكذلك المحروقات، وكل السلع الغذائية الأخرى.
مصدر: الجمهورية