الأزمة تطال حتى الدورة الشهرية، لم تجد “شيرين” بديلاً عن الفوط الصحية التي تخطى سعرها قدرتها المادية، سوى استخدام قطع قماش قديمة أو حفاضات طفلتها الرضيعة. وتقول شيرين البالغة 28 عاماً لوكالة فرانس برس “بتّ أفضل أن تنقطع عني الدورة الشهرية جراء الغلاء والانفعال الناتج عن معاناتي من عدم قدرتي على شراء حتى الفوط الصحية”.
مع بدء ارتفاع الأسعار قبل أشهر، لجأت “شيرين” إلى شراء أنواع من الفوط الصحية ثمنها بخس نسبياً ومن علامات تجارية غير معروفة، تسببّت لها بالحساسية. لكنّها لم تعد قادرة اليوم على توفير ثمنها. وتوضح: “بداية، شعرت بالقهر لكني فضلت ابنتي، أفضل أن أشتري لها الحليب، أما أنا فأتحمل”. لم تفكر شيرين يوماً أنها ستضطر إلى مشاركة رضيعتها الحفاضات، التي تحصل عليها أساساً عبر المساعدات. تدمع عيناها، قبل أن تستطرد “أستعمل حالياً المناشف وقطع القماش، أقص الحفاض لأستخدمه مرتين خصوصاً أثناء مغادرتي” المنزل. وتتحدث بخفر عن ارتباكها إذ لم تتمكن بداية من التصرّف على طبيعتها. وتقول “كان علي أن أتفقد ما إذا نفذ شيئاً إلى البنطال”. على وقع تدهور قدرتها الشرائية، شأنها في ذلك شأن الشريحة الأكبر من اللبنانيين، باتت تستغني عن شراء مسكّنات اعتادت استخدامها لتهدئة الألم في أول يوم من دورتها الشهرية، في محاولة لإدخار المال “في حال احتاجت ابنتي شيئاً”.
اعتادت مبادرة “دورتي” لمحاربة “فقر الدورة الشهرية”، وفق ما تشرح “لين تابت مصري”، توزيع سلال نسائية تضم فوطاً صحية على النساء الأكثر حاجة لكن مؤخراً ” باتت نساء من الطبقة الوسطى بحاجة إليها أيضاً، على غرار موظفة في مصرف لم يعد راتبها بالليرة يكفيها”. وتقول تابت “نعجز عن تلبية كل الطلبات على الفوط الصحية، رغم ازديادها، لتراجع التبرعات بشكل كبير”، موضحة “في السابق، اعتادت عائلات وطلاب على التبرّع لنا بفوط صحية ولو بكميات صغيرة، لكن كثراً الآن باتوا عاجزين حتى عن التبرع”. في مخيم شاتيلا في بيروت، تدرّب منظمة “أيام من أجل البنات” الدولية (دايز فو غيرلز) لاجئات فلسطينيات نزحن من سوريا خلال سنوات الحرب الأولى على خياطة فوط صحية مصنوعة من قطع قماش ملونة يفصل بينها النايلون منعاً لحصول تسربات. فور الانتهاء من التدريب، ستعد اللاجئات تلك الفوط لتوزع لاحقاً في المناطق الأكثر فقراً كعكار شمالاً ومخيمات النازحين السوريين. وعلى وقع الأزمة الاقتصادية، التي لم تتوقعها في بلد لجأت إليه بحثاً عن الأمان، فضّلت ريما علي (45 عاماً) استخدام فوط القماش، التي تتدرب على خياطتها، بعدما عانت الأمرين مع المناشف القديمة لعدم تمكنها من شراء الفوط الصحية. وتقول الوالدة لثلاثة صبيان وثلاث بنات عمر أصغرهن 12 عاماً، “قبل الغلاء، كنا نستهلك ستّ علب على الأقل، لكن حين ارتفع سعر الصرف، بات الأمر يُشكل عبئاً علي”. وأعادت الأزمة إلى ذهن ريما ذكريات حرب فرّت منها قبل نحو تسع سنوات. وتقول “مرّت علينا ظروف صعبة في سوريا، وأيام لم نستطع فيها شراء الخبز، كنا نقطع الثياب القديمة ونستخدمها” بدل الفوط الصحية. وتضيف “لم أتوقع أن يعاد المسلسل ذاته اليوم”.