تماما كماً في أفلام “هوليوود” التي تتحدث عن نقطة النهاية من خلال ارتطام صخرة عظيمة بالأرض تدمر الحياة عليها، واستعداد البشر لحماية الأرض من هكذا سيناريو خطير.. تستعد وكالة الفضاء الأميركية “ناسا”، لتنفيذ مهمة تاريخية هي الأولى من نوعها في مشروع حماية الأرض من ضربات الكويكبات والصخور الفضائية، عبر إرسالها مركبة تزن نصف طن، للاصطدام بالكويكب “ديمورفوس”، الذي لا يشكل تهديداً حقيقياً للأرض، بل تكمن الغاية من التجربة بحرف مساره بعيداً عن كوكبنا.
مهمة تاريخيةالمهمة التاريخية وغير المسبوقة، بدأت التحضيرات لها في 24 تشرين الثاني 2021، عندما أطلقت وكالة الفضاء الأميركية من قاعدة “فاندنبرغ” في كاليفورنيا، المركبة الفضائية “دارت”، محمولةً على صاروخ ” سبايس إكس فالكون 9″، بسرعة 24 ألف كيلومتر في الساعة، لبدء رحلةٍ مدتها 10 أشهر في أعماق الفضاء على بعد نحو 11 مليون كيلومتر من الأرض.
وهذا المشروع هو من ثمار التعاون المشترك بين وكالة “ناسا” ومختبر “جونز هوبكنز للفيزياء التطبيقية”. وُضع حجر الأساس له في آب 2018، بتكلفة بلغت 330 مليون دولار، مع تحديد موعد الاصطدام في 26 أيلول الجاري.
تغيير المسارقد يشعر من يسمع هذه الأخبار بالرعب لأول وهلةٍ، لكن الوكالة الأميركية تؤكد أن ما يجري هو مجرد اختبارٍ علمي للاصطدام بكويكب “ديمورفوس” بسرعة تزيد عن أربعة أميال في الثانية، وذلك لتغيير مساره على نحوٍ بسيط. وإذا نجحت المهمة، فسوف يعني ذلك أن وكالة الفضاء الأميركية ووكالات الفضاء الأخرى يمكنها تحويل مسار أيُ كويكبٍ مُتجه نحو الأرض وتجنب اصطدامٍ كارثي بها.
ونشير هنا أن “ديمورفوس” هو كويكب بحجم ملعب كرة قدم يدور عن قربٍ حول كويكبٍ أكبر بخمس مرات يُسمَّى “ديديموس”، وتم اختيار هذا الكويكب بالتحديد لأن قربه النسبي من الأرض وتكوينه الثنائي يجعله مثالياً لمراقبة نتائج الاصطدام. ووفق الخطة المفترضة، سيقيس علماء وكالة الفضاء الأميركية التغيير في مدار “ديمورفوس” حول “ديديموس” بواسطة التلسكوبات على الأرض، ليتبينوا من مدى نجاح المهمة.
تجنب الكارثةتُعدّ هذه التجربة ضرورةً ملحة لحماية المعمورة من الأخطار الآتية من الفضاء. ورغم تأكيد علماء الفلك في العالم بأن احتمالات اصطدام الكويكبات بالأرض ضئيلة، أقله في المدى القريب. إلاّ أنهم يشددون في الآن عينه أنها تمثل تهديداً، يجب أن نكون على أهبة الاستعداد له. وكل ما نحتاجه هو إلقاء نظرة على أحداث الارتطام الماضية كحادثة اصطدام الكويكب الذي أدى إلى حدوث “فوهة تشيكسولوب”، قرب بلدة تشيكسولوب في شبه جزيرة يوكاتان بالمكسيك.
عندما ارتطم هذا الكويكب بالأرض قبل 66 مليون سنة، كان يندفع بسرعةٍ تفوق سرعة رصاصة البندقية بنحو 24 مرة، فأدى إلى تكون موجة صادمة فائقة السرعة سوّت الأشجار بالأرض في كل أنحاء القارتين الأميركيتين، وتسببت حرارته باندلاع حرائق مهولة. وأدى هذا الحدث إلى انتشار كمياتٍ هائلة من الحطام في الجو، ما تسبب في توقف عمليات التمثيل الضوئي للنباتات، وإلى اختفاء الديناصورات، كما انقرضت ما نسبته 75 في المئة من جميع الفصائل والأنواع. وعند موقع الارتطام، كانت الصورة مروعة أكثر، فقد تركت الصخرة الآتية من الفضاء فوهة على عمق 32 كيلومتراً تقريباً فيما يُعرف الآن باسم خليج المكسيك، ولم ينجُ أيُ شيءٍ أو كائن حي على الإطلاق.
وكمثالٍ حديث على الخطر الذي تشكله الكويكبات الصغيرة والمذنبات، تسبب الجلمود الصخري الذي اخترق الغلاف الجوي للأرض بالقرب من مدينة تشيليابينسك الروسية في 15 شباط 2013، بإطلاق انفجارٍ بقوة 400 كيلوطن أسفر عن إصابة أكثر من 1500 شخص. وقد شرح عالم الفلك البريطاني الشهير، جاي تيت، خطورة ما حدث حينها قائلاً “لو دخل هذا الجسم في الغلاف الجوي على بعد 20 كيلومتراً شمالاً، لكان ألحق أضراراً أكبر بالمدينة. لقد كنا محظوظين للغاية لأننا لم نشهد خسائر كبيرة. علينا أن ندرك أن هذا الأمر سيحدث ذات يوم، وينبغي أن نكون مستعدين لفعل شيءٍ حياله”.
ولتفادي تكرار هذا السيناريو الكارثي، يُعدّ الاكتشاف المبكر للكويكبات القريبة من الأرض الخطوة الأولى في الدفاع الكوكبي. وينجز العلماء ما يقرب من 30 اكتشافاً جديداً لكويكبات قريبة من الأرض كل أسبوع. وقد أعلنت وكالة “ناسا” عند بدء تجهيزها لمركبة “دارات” بداية عام 2019، عن اكتشاف أكثر من 19 ألف كويكب بالقرب من الأرض.
الاستعداد للأسوأوبناءً على ذلك، ستوفر هذه التجربة بياناتٍ مهمة حول مدى قدرة المركبات الفضائية على حماية الأرض. وهنا، يقول البروفيسور آلان فيتزسيمونز، عالم الفلك في جامعة “كوينز بلفاست”، وعضو الفريق العلمي لمهمة “دارت”: “نعلم أن الكويكبات قد أصابتنا في الماضي. هذه التأثيرات هي عملية طبيعية وستحدث في المستقبل. نودّ أن نوقف أسوأ ما في الأمر”.
أضاف “هذا هو الغرض من مهمة دارت. تم إطلاق المركبة في تشرين الثاني الماضي، ومن المقرر أن تضرب هدفها في الساعات الأولى من يوم 27 أيلول بتوقيت غرينيتش. ومن خلال دراسة مسار الكويكب بعد الاصطدام بعناية، يعتقد العلماء أنهم سيفهمون بشكلٍ أفضل كيف يمكن استخدام الاصطدامات المماثلة لتشتيت الكويكبات والمذنبات المرتبطة بالأرض. نحن نعلم أنه لا يوجد أي كويكبات مكتشفة آتية إلينا خلال المئتي عام المقبلة أو نحو ذلك. لكن سيتعين علينا أن نكون مستعدين للتصرف إذا وجدنا أحدها في طريقها إلى الأرض. ودارت هي الخطوة الأولى لضمان امتلاك التكنولوجيا المناسبة للتعامل مع التهديد”.
من جانبه، يوافق ليندلي جونسون، ضابط الدفاع الكوكبي في “ناسا”، على ما صرح به فيتزسيمونز، مشدداً على أهمية تطوير تقنية انحراف الكويكبات في أسرع وقتٍ ممكن، بالقول “لا نريد أن نكون في موقف يتجه فيه كويكب نحو الأرض ثم يتعين علينا اختبار هذا النوع من القدرات”.
العالم سيشاهدستطلق المركبة الفضائية بعد بضعة أيام مسباراً إيطالياً بحجم حقيبة اليد، يُسمى “ليسيا كيوب LiciaCube”، وهو مزود بكاميرتين تم منحهما اسميّ “لوك” و”ليا” المستوحيان من فيلم “حرب النجوم”. بعد ذلك، سيتم تسجيل صور الاصطدام بالكويكب بواسطة الكاميرتين وإعادتها إلى وحدات التحكم الأرضية.
وستسمح وكالة الفضاء الأميركية للعالم بمشاهدة البث المباشر، وذلك في 26 أيلول، في تمام الساعة 7:14 مساءً بتوقيت شرق الولايات المتحدة، عبر قناتها الخاصة على موقع “يوتيوب”. إضافةً إلى ذلك، من المقرر أن ترسل وكالة الفضاء الأوروبية في عام 2024 مركبة فضائية آلية تُدعى “هيرا”، إلى “ديمورفوس”، لدراسة الحفرة التي ستخلفها “دارت” وتحليل اصطدامها به.
المصدر المدن